طريق دمشق والعملية الجديدة
طريق دمشق هو طريق الصحوة والتحول. هو طريق يحمل فهم الوجود وينمي هذا الفهم.
"طريق دمشق" ليس مجرد موقع تاريخي فحسب، بل هو أيضًا رمز قوي لرحلة روحية. إن الرؤية التي اختبرها القديس بولس في هذا الطريق تظهر أنها تستطيع أن تفتح للإنسان أبواب إمكانيات التحول الداخلي والحياة المبنية على الفضائل.
يسلط هذا الحدث الضوء على الدور الذي لا غنى عنه للتغيير والتحول في حياة الإنسان. وقد استبدل القديس بولس النهج القاسي والإقصائي الذي كان سائداً في تلك الفترة بفهم جديد مبني على المحبة والرحمة. وهذا لا يمثل صحوة فردية فحسب، بل يمثل أيضًا صحوة اجتماعية. لأن جوهر الفضائل الإنسانية والقيم الأخلاقية يكمن في تجاوز النفس وإقامة علاقة سلمية مع الآخر.
ومن هذا المنظور، يمكن النظر إلى طريق دمشق كاستعارة ليس فقط لرحلة المسيحية، بل لرحلة البشرية جمعاء، لإعادة اكتشاف الذات والآخرين. إن هذا المسار، الذي يشكل دليلاً للأفراد والمجتمعات على حد سواء، لا يزال يحتضننا جميعاً بقوته التحويلية.
وفي حين أن عملية البناء السياسي الجديدة التي دخلتها سوريا مؤخراً تتطلب إعادة تقييم الطبقات الاجتماعية والثقافية والتاريخية، فإن رموز الماضي تبرز أيضاً كأدلة في عملية التحول هذه. وفي هذا السياق، يصبح "طريق دمشق" ذا معنى ليس فقط باعتباره طريقاً تاريخياً، بل أيضاً باعتباره رمزاً لرؤية إعادة البناء السياسي والأخلاقي. إن التحول الذي شهده القديس بولس على طريق دمشق يتجاوز كونه لحظة وعي فردي، فهو يقدم استعارة للمجتمع لمواجهة هويته الخاصة والتوحد حول قيم جديدة. تتطلب عملية إعادة الإعمار التي تواجهها سوريا اليوم رحلة داخلية صعبة وتحولاً عميقاً، تماماً كما في قصة بولس. إن الجهد الذي يبذله المجتمع الخارج من التصدعات التي سببتها الحرب والصراع لبناء نظام جديد على أساس الإنصاف والعدالة والحياة المشتركة يستحضر روح طريق دمشق. إن نجاح عملية الهيكلة السياسية يمكن أن يكون ممكنا من خلال التخلي عن النهج الإقصائي والتمييزي والتحول إلى رؤية شاملة وتكاملية. يشير بولس، الذي واجه رؤية على طريق دمشق وحوّل موقفه القاسي إلى فهم مليء بالحب والرحمة، إلى مجموعة القيم التي تحتاجها سوريا اليوم: احترام كرامة الإنسان وحقوقه، والحفاظ على التنوع الثقافي، والسعي لبناء مستقبل سلمي من خلال التعلم من معاناة الماضي.
وفي عملية التحول هذه، ينبغي قراءة معنى طريق دمشق ليس فقط باعتباره لحظة تاريخية، بل أيضاً كخارطة طريق تشكل المستقبل من خلال الاستلهام من الماضي. ويمكن لسوريا أن تستخدم هذا الرمز القديم لتاريخها كدليل ليس فقط لإعادة البناء الروحي، بل وأيضاً لإعادة البناء السياسي. ويسلط هذا المسار الضوء على تحول الأفراد والمجتمع باعتباره طريقا ستعود فيه القيم الإنسانية والتضامن الاجتماعي إلى الحياة من جديد.
ملفونو يوسف بختاش
رئيس جمعية الثقافة واللغة السريانية وادبها / ماردين
You can also send us an email to karyohliso@gmail.com
Leave a Comment