الانطباعات الفكرية
الحياة عبارة عن ثوابت ومتغيرات. يجب أن تكون ثوابت الإنسان قوية. إذا لم تكن الثوابت متاحة، تحل المتغيرات محل الثوابت.
الثوابت تمثل العالم الروحي غير المرئي للإنسان؛ المتغيرات تخلق العالم المادي. الثابت هو الروح، والمتغير هو الجسد. الثابت هو المعنى، والمتغير هو المادة.
تبدأ معرفة نفسك بفهم التوازن بين الثوابت والمتغيرات. تمثل الثوابت القيم الأساسية للإنسان، ومعتقداته، والعناصر التي تشكل ذاته الحقيقية. تشكل هذه الثوابت حجر الزاوية في هوية الفرد، وتوفر له القوة والتوجيه. المتغيرات هي التحديات والتجارب والعوامل الخارجية التي تجلبها الحياة. إن معرفة نفسك تتضمن القدرة على التعامل مع هذه المتغيرات.
إن معرفة نفسك تعني الذهاب في رحلة داخلية وفهم مشاعرك وأفكارك ونقاط قوتك وضعفك. تساعد هذه العملية الإنسان على اكتشاف هويته (أي بعده الإلهي) وتحديد قيمه الخاصة. إن معرفة نفسك تؤدي إلى تطوير احترام الذات الصحي، وإنشاء علاقات أكثر صحة، وإيجاد معنى في الحياة. هذه عملية مستمرة للتعلم والنمو لأن الحياة في تغير مستمر بتجاربها وتأملاتها.
إن معرفة النفس تتيح للمرء أن يكون مرنًا مع الحفاظ على ثوابته. التكيف مع المتغيرات يعني التعلم والنمو. إن معرفة نفسك تعني إيجاد نقطة توازن داخلي والتكيف مع العالم الخارجي من خلال استخلاص القوة من هذه النقطة. في حين أن الثوابت تشكل جذور الإنسان، فإن المتغيرات تعلمه فهم وقبول ديناميكيات الحياة. إن إيجاد هذا التوازن يزيد من ثقة الفرد بنفسه ويساعده على توجيه حياته بوعي أكبر.
يقول الفيلسوف الشهير أبيكتيتوس (50-135م): "إن أعظم نعمة منحنا إياها الله هي القدرة على اكتشاف الصفات التي نمتلكها في أنفسنا ولكننا لا ندركها".
لأن "من عرف نفسه فقد عرف ربه". وفي مثال "من عرف ربه عرف حده"، فإن الإنسان الذي يبتعد عن القراءة والكتابة وعن الجهد المبذول لمعرفة نفسه يصبح منفصلاً عن نفسه وعن الآخرين. كما قال القديس أنطونيوس (٢٥١-٣٥٦): "لكي تعرف الله، عليك أولاً أن تعرف نفسك!". من الضروري التركيز على الدراسة والتعليم والفهم الجيد.
من الصعب التغلب على مشكلة الاغتراب في هذا العصر الذي يريد التأثيرعلى الحياة دون البحث عن طرق لتوجيه الرغبات في الاتجاه الإيجابي وتقوية الجوهر (الروح). إن التغلب على هذا التحدي يتطلب جهدًا منضبطًا وتصميمًا. تراخي الروح أو برودة الروح والفردية والأنانية أصبحت شائعة جدًا اليوم. ومن ثم فإن إعادة اكتشاف القيم الأخلاقية المفقودة، وكشف عمقنا الإنساني، ومعرفة أنفسنا، يمكن أن يوفر لنا الراحة على المستوى الشخصي والاجتماعي.
الأمر لا يتعلق فقط بالنجاح والإنتاجية والمكانة وكسب المال. إن التحدي الحقيقي يكمن في اكتشاف مواهبنا الحقيقية وتطبيقها بأفضل طريقة ممكنة، وفي حدود إمكانياتنا.
والمهم هو التخلص من طموح الأنا في البيت وفي بيئة العمل وفي المجتمع وفي السياسة وفي الإدارة. إن الهدف هو الوصول إلى حالة ذهنية تمكن الإنسان من أن يكون خادماً من خلال نهج تكميلي –الشملويو-يتغذى على مبدأ التطور.
وعلى الرغم من كل شيء، فإن العيش وإبقاء هذا الفهم حيًا بمبدأ "عش ودع غيرك يعيش".
لقد طور الكاتب والمفكر ستيفن كوفي (1932-2012) الفكرة التالية حول فوائد اختيار التعامل مع المواقف الصعبة: "كما نبني عضلاتنا الجسدية من خلال التغلب على التحديات مثل رفع الأثقال، فإننا نبني عضلات شخصيتنا من خلال التغلب على التحديات والشدائد".
إنني أعتبر أنه من واجبي الوجداني أن أعبر عن هذه الانطباعات الفكرية الحاسمة من قراءاتي في سياق المساهمة الفكرية في الصحوة والوعي الذي يحاول أن يجعل نفسه قادراً على التحقق في الواقغ.
ملفونو يوسف بختاش
رئيس جمعية الثقافة واللغة السريانية وادبها / ماردين
You can also send us an email to karyohliso@gmail.com
Leave a Comment