زيارة مار سهدونا
وفقًا للسجلات التاريخية، فإن الثقافة السريانية لها ماضٍ قديم في منطقة كاردو (جودي). وفي هذه السلسلة الجبلية، تشكل النقوش الآشورية التي تعود إلى فترة ما قبل المسيحية، والقرى والكنائس والأديرة التي تعود إلى فترة ما بعد المسيحية، بقايا هذا الماضي التي بقيت حتى يومنا هذا.
قرية حسنة، التي تقع على منحدرات شديدة الانحدار تشبه القلاع عند سفح جبل كاردو (جودي)، هي من بقايا هذا الماضي.
وكما هو الحال في المناطق الأخرى، لعبت الكنائس والأديرة على جبل كاردو (جودي) دوراً محورياً في تطوير الثقافة واللغة السريانية. وقد تم هنا إنجاز أعمال أدبية مهمة للغاية في فترات مختلفة من التاريخ. وبهذه الطريقة ظهرت العديد من المخطوطات والأعمال الأدبية. إن الكتاب المقدس السرياني الذي كتب (نسخ) في كنيسة حسنة مار موسى سنة 1808، يعد مرجعاً مهماً لأنه يظهر أن هناك لغة أدبية سريانية متطورة وغنية جداً هنا في ذلك الوقت.
بقيت قرية الحسنة وحيدة حزينة لعقود من الزمن بعد الهجرة المؤلمة التي شهدتها عام 1993، وبنى أهلها حياة أخرى في أوروبا، بعيداً عن أراضي بلاد ما بين النهرين، مشتاقين إلى أراضيهم المفقودة.
يوجد بيت صلاة باسم القديس مار سهدونا، على المنحدر المقابل لقرية حسنة، عند سفح جبل كاردو (جودي)، والذي كان يستخدم كمسكن صيفي للملك الآشوري سنحاريب. وعلى الرغم من كل الظروف المعاكسة، فقد نجا هذا البيت للصلاة حتى يومنا هذا.
عندما عادت قرية حسنة إلى الحياة في عام 2014، تم ترميم وإعادة بناء بيت الصلاة مار سهدونا، وذلك بفضل المساهمات المخلصة من ماركوس ديرليك (بيت مورو) وأهل القرية.
ولم يكن قرار ترميم هذا البيت للصلاة قرارًا عشوائيًا. بل على العكس من ذلك، فهي خطوة روحية نحو إعادة توحيد القرية مع هويتها وتاريخها. لأن إحياء مبنى تحول إلى كومة من الحجارة يظهر التفاني للماضي والعزم على إبقاء تراثهم الثقافي حياً لدى القرويين الذين يكافحون من أجل البقاء على تلك المنحدرات الغامضة. بهذا الظهور ذي المعنى، يبدو أن مار سهدونا يرسل تحياته إلى أرواح الذين يأتون إلى القرية، حتى من بعيد. وخاصة في الليل، يضيء نور مار سهدونا الساطع لأولئك الذين يبحثون عن الحياة الهادئة، مثل منارة تحمل نور الأمل في وسط البحار المظلمة. مع بريقها، ينعش ذلك النور الروح ويبدد الظلام، ويهمس بالأمل في غد هادئ.
اسم سهدونا هو اسم سرياني ويعني "الشهيد". كان مار سهدونا كاتبًا وأديبًا رهبانيًا مهمًا عاش في أوائل القرن السابع. ولد في هلمون (بيت نوهدرا، حوالي دهوك الحالية) وتوجه إلى الحياة الرهبانية تحت تأثير والدته وامرأة تقية تدعى شيرين. عاش راهبًا في دير بيت آبي، ولكن تم تعيينه أسقفًا لبيت جارماي بين عامي 635 و640.
أهم أعمال مار سهدونا هو كتاب الكمال (ܟܬܒܐ ܕܫܘܡܠܝ ܕܘܒܪܐ)، الذي بقي حتى يومنا هذا في مخطوطة نُسخت في أورفا عام 837. ومع ذلك، لم يتم الحفاظ على العمل بشكل كامل. يتناول الجزء الأول من الكتاب المكون من جزأين، والذي بقي حتى يومنا هذا، الأسس العقائدية للأخلاق المسيحية ويحدد المثل الأعلى لتحقيق الكمال سواء في المجتمع أو في الحياة الانفرادية. أما الجزء الثاني فيحتوي على مناقشة مفصلة للفضائل المختلفة.
ومن السمات المميزة لهذا العمل أنه يحتوي على العديد من الاقتباسات والإشارات الكتابية، لكنه لا يحتوي تقريبا على أي إشارة إلى مصادر غير كتابية. ومن بين الأعمال الأخرى المعروفة لمار سهدونا رسائله الخمس وكتاب بعنوان الأمثال في الحكمة.
كما يتبين، قدم مار سهدونا مساهمات فكرية مهمة في الفوضى الثقافية في القرن السابع وشجع الوئام الاجتماعي. لقد لعب دوراً كبيراً في التطور الأخلاقي والثقافي للمسيحية السريانية، وساهم بشكل خاص في تعميق ونشر اللغة السريانية.
ومن خلال أعماله التي تناولت القضايا الأخلاقية، ألقى الضوء على الصراعات الدينية والفلسفية في عصره، وخلق تأثيرًا موحدًا. إن الأعمال التي كتبها مار سهدونا باللغة السريانية ذات قيمة لغوية وأدبية كبيرة. لقد أصبحت هذه الأعمال جزءًا مهمًا ليس فقط من الفكر المسيحي السرياني ولكن أيضًا من الأدب العالمي، وحافظت على مكانتها بين المصادر المرجعية التي لا غنى عنها.
إن الفكر التالي لمار سهدونا، الذي يؤكد على ضرورة النظر في مرآة الذات بمنطق التطهير الداخلي والنقد الذاتي من أجل تحقيق العودة إلى الجوهر، يحمل معاني مذهلة حول عملية التطور. إنها تدعو إلى الوعي الذاتي من خلال الحكم الداخلي، مؤكدة أن الناس يجب أن يتساءلوا عن ظلامهم الداخلي، وأسرارهم، وأفكارهم بدلاً من الحكم على العالم الخارجي. بدلاً من رؤية الأخطاء والعيوب في الواقع الخارجي، يجب على الإنسان أن يتجه إلى عالمه الداخلي، وينير الظلام، ويذكرنا بضرورة تجربة هذه العملية بينه وبين ربه فقط. في تذكيره بعملية التطهير الروحي والتنوير الداخلي وأهمية الحكم على الذات، يقول مار سهدونا: في تذكيره بعملية التطهير والتنوير الداخلي وأهمية الحكم على الذات، يقول مار سهدونا:
«ܫܬܽܘܿܩ ܡܳܕܶܝܢ ܡܼܶܢ ܕܺܝܼܢܳܐ ܕܰܠܒܰܪ ܡܶܢܳܟ. ܘܥܽܘܼܠ ܠܳܟ ܒܕܺܝܼܢܳܐ ܥܰܡ ܥܰܘܠܳܐ ܕܰܒܓܰܘܳܟ. ܫܰܪܳܐ ܠܰܡܥܰܩܳܒܽܘܼ ܟܰܣܝܳܬܳܐ ܕܰܒܠܶܒܰܟ. ܒܨܺܝܼ ܣܽܘܼܥܪܢܶܐ ܕܰܠܓܰܘ. ܕܽܘܼܢ ܚܽܘܼܫܳܒܶܐ ܕܬܰܡܳܢ. ܐܰܢܗܰܪ ܠܳܟ ܫܪܳܓܳܐ ܕܢܽܘܼܗܪܳܐ. ܕܬܶܚܙܶܐ ܟܰܣܝܳܬܶܗ ܕܚܶܫܽܘܼܟܳܐ ܕܒܳܟ. ܐܰܦܶܩ ܛܡܺܝܼܪܬܶܗ. ܘܦܰܪܣܳܐ ܣܬܺܝܼܪܬܶܗ ܒܶܝܬ ܠܳܟ ܘܠܰܐܠܳܗܳܐ. ܩܕܳܡ ܕܢܶܡܛܶܐ ܝܰܘܡܳܐ ܕܰܩܕܳܡ ܟܽܠܢܳܫ ܒܢܽܘܼܗܪܳܐ ܕܰܠܥܶܠ ܢܶܬܦܰܪܣܝܳܢ...»
".إذن، اصمت، لا تحكم على ما هو خارجك. حاول أن تحكم على الظلم في داخلك. ابدأ في استكشاف أسرار قلبك. تساءل عن أفعالك الداخلية. حاسب أفكارك. أنر عالمك الداخلي بمصباح النور حتى ترى الظلام في داخلك. كل ما يختبئ في ذلك الظلام، أخرجه. اكشف أسرار ذلك الظلام بينك وبين ربك، قبل أن يأتي اليوم الذي ينكشف فيه للجميع بنور من السماء."
ملفونو يوسف بختاش
رئيس جمعية الثقافة واللغة السريانية وادبها / ماردين
You can also send us an email to karyohliso@gmail.com
Leave a Comment