الإصرار على الخير

الحياة مثل النهر المتدفق. كل شخص يرسم طريقه الخاص ضمن هذا التدفق. لكن المهم في هذه الرحلة هو ما نتمسك به وما هي القيم التي نصر عليها. اللطف هو القيمة الأقوى التي تعطي معنى للوجود الإنساني، وتغذي الروح وتجعل الحياة مثمرة. لذلك لا بد من الإصرار على الخير. لأن الخير يمكّن الإنسان من أن يكون في وئام مع نفسه ومع بيئته. كما أن البذرة تتجذر في التربة، فإن الإنسان الذي يتمسك بالخير ينمو بشكل أعمق ويتطور في الحياة.

لكن الإصرار على أي شيء غير الخير هو في كثير من الأحيان مسعى عقيم. لأن ما دام الإنسان مصراً على فكرة خاطئة، أو موقف خاطئ، أو رغبة أنانية، فهو لا يفعل إلا أن يسد طريقه. الحكمة هي معرفة ما يجب متابعته وما يجب التخلي عنه. ومع ذلك، فإن الجهل لا يعني مجرد امتلاك القليل من المعرفة. الجهل الحقيقي هو عدم القدرة على استخدام المعرفة، وعدم القدرة على تقييمها بشكل صحيح والضياع في الارتباك الداخلي.

بدلاً من أن يرى الإنسان الجاهل المعرفة كنور، فإنه يسجنها في ظل مخاوفه وكبريائه وأنانيته. حتى لو كان لديه المعرفة، فإنه يستخدمها في المكان الخطأ وبالطريقة الخطأ. إنه غارق في همومه، غارق في أوهامه، ويحاول تبرير نفسه. في النهاية، يتحول إلى شخص لديه المعرفة لكنه لا يستطيع الوصول إليها، شخص يرى لكنه لا يستطيع أن يرى، شخص يعرف لكنه لا يستطيع أن يفهم.

ومع ذلك، فإن الحكمة الحقيقية ممكنة عندما يفتح الإنسان معرفته وقلبه. كلما احتضن الإنسان الخير والعدل، وحوّل معرفته إلى منفعة، اتسعت روحه. إن القضية الحقيقية ليست امتلاك المعرفة، بل القدرة على استخدامها في الوقت المناسب، وفي المكان المناسب، وبالنية الصحيحة.

ولهذا السبب يجب علينا الإصرار على الحصول على أكبر قدر من الخير في الحياة. لأن الإصرار على الخير يجلب الوفرة؛ فهو ينير عالم الإنسان الداخلي ويسهل طريقه. عندما نحتضن المعرفة، لا ينبغي أن نحصرها في الكبرياء أو الخوف أو الأنانية؛ بل على العكس، يجب علينا أن نشاركها، ونحافظ عليها حية، ونحولها إلى فائدة. حينها فقط، تصبح المعرفة حكمة حقيقية وتحملنا في الاتجاه الصحيح في تدفق الحياة.

ملفونو يوسف بختاش 

رئيس جمعية الثقافة واللغة السريانية وادبها / ماردين