ستُقرعُ أجراسُ الفهمِ الجديد - Karyo Hliso
Yusuf Begtas:

ستُقرعُ أجراسُ الفهمِ الجديد

ملفونو يوسف بِكتاش
ستُقرعُ أجراسُ الفهمِ الجديد

"كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ. فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ، وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ، وَالنُّورُ يُضِيءُ فِي الظُّلْمَةِ، وَالظُّلْمَةُ لَمْ تُدْرِكْهُ."(يوحنا ١: ٣-٥).

نحن قريبون جدًّا منَ اليوم المبارك بحياة التجديد، أي عيد الميلاد المجيد. نحن كبشرٍ فهمُنا محدود، وعليه فلهذا اليوم عُمق كبير، وهو يوم مبارك جدًا. كما هي الحال، في ما تمُرّ به حياتُنا اليومية من إنجازات ومن إخفاقات، فإنّه يوم يُساعد على الانفتاح لإيجاد المدخل إلى روحنا.

يتجلّى معنى هذا اليوم في أفكار القِدّيس مار أفرام السرياني (٣٠٣- ٣٧٣ م.): "كي لا أحد منَّا عندما ينظر إلى الحقّ، وعندما تغلِب الخطيئة كلَّ شيء، دخل الحقّ في رحم امرأة، وبميلاده بدّد الخطيئة. وفي هذا اليوم

في هذا اليوم: "دخلت أيام الأبدية الطويلة إلى أيام حياتنا القصيرة." القديس أوغستينوس (354-430 م)

هذا يعني أنّ الأمرَ العالي جدًّا أصبح وضيعًا جدًّا، والعظمة تغدو لا شيء. المتواضعون في الإنسانية هم نحن الصغار، والعظمة للربّ! وبسبب هذه العظمة، وبسبب الروح القُدس، ظهر الربّ للعالَم، أي أنّ ذلك العظيم جاء إلى الوُضعاء. لأجل أن يعيشَ الوضعاءُ بحسب تعاليم يسوعَ المسيح، وأن يتكلّموا ويتصرّفوا بموجبها. فإنّ هذه هي المحبّة بعينها، والتي يجب أن تنمو باستمرار. وهذا هو الطريق. لأن يسوع المسيحَ لا يُشير فقط إلى الطريق والحقّ والحياة، بل هو نفسه الطريق والحقُّ والحياة.

هذا الطريق ليس جسديًا بل روحيًا، ليس دُنيويًا، إنّما هو ذو معنىً روحيّ عميق. بهذه الطريق يتمتّع الإنسان بالنور كليًا، وبتلك الطريق يكون العطاء مُبهِجًا أكثر من الأخذ. لقد أتى يسوعُ المسيح ليَقضي على الحياة القديمة المبنية على الخوف، ولكي يمنحَ طريقة جديدةً للحياة، قائمة على المحبّة. ومثلما يطغى النورُ على الظلمة، هكذا تَغلَّب ميلادُه المجيد على الخوف.

منَ الممكن التغلّب على الخوف الناجم من الأنانية، من خلال إبصار نوره والعيش في ذلك النور فقط. إن أفكار العالَم قد أخضعت حياتَنا كڤيروس الحاسوب/الكمبيوتر، إلّا أنّ نورَ وِلادة يسوع المسيح يعمَل كمضادٍ للڤيروسات لحمايتنا من الخطأ والمخاوف. هذا هو السبب في أنّ وِلادةَ المسيح ليست حدثًا مؤقّتًا، يدوم لوقتٍ قصير، بل هي حياة يومية تؤثّر في أسلوب تفكيرنا، إنّه حدثُ المحبّة. وهذه المحبّة هي روح الحياة ولبُّها. هذه المحبّة هي التي تمنح الطاقة للحياة، إنّها النور للـ أنا- Ego ، ومِفتاح الأبواب الموصَدة.

من خلال ولادة يسوعَ حصلنا على النور وعلى المِفتاح. كما حصلنا على الإدراك العميق للحياة. ومن خلال معرفة هذا الفهم، فلنا الحرية في عدم القيام بما نريد، وإنّما بالأحرى، منحَنا القوّة لعمل ما ينبغي القيام به. وهذا يقوّي روحَ التحكّم بأَنفسنا. إذا أردنا العيشَ في هذه المحبّة وهذه الروح، عندئذٍ يتوجّب علينا أن نفتح قلوبَنا لهذا النور القادم من خلال ولادة يسوعَ المسيح. وينبغي التسليم للروح القُدس. ويُمكننا القيام بذلك ليس من خلال الخوف، بل عن طريق المحبّة. تولَدُ كلّ إخفاقاتنا من خلال أفكارنا الخالية من المحبّة. ويجِب أن نكون على أهُبّة الاستعداد لتغيير ذلك بواسطة المحبّة.

فسَّر يسوع المسيح تلك الحقيقةَ بهذه الطريقة: "لَيْسَ مَا يَدْخُلُ الْفَمَ يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ، بَلْ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْفَمِ هذَا يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ... وَأَمَّا مَا يَخْرُجُ مِنَ الْفَمِ فَمِنَ الْقَلْب يَصْدُرُ، وَذَاكَ يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ، لأَنْ مِنَ الْقَلْب تَخْرُجُ أَفْكَارٌ شِرِّيرَةٌ: قَتْلٌ، زِنىً، فِسْقٌ، سَرِقَةٌ، شَهَادَةُ زُورٍ، تَجْدِيفٌ." (متّى ١٥: ١٠-٢٠)

وبموجب هذه الفكرة، فإنّ العقل الخارجَ من الجسد لا يُشبه العقل المنبثقَ من المحبّة. العقل الجسدي لا يفكّر إلا في الخِداع والمكر والأنانية. أمّا العقل الذي يجعل المحبّة تاجًا له، فإنّه يفكِّر بصِدق ونزاهة. لأنّ "أسوأ َما يخدع الروح هو خداع الذهن". علينا التركيز على أَنفسنا من أجل النمو. لو لم يركّز الناس على الخطيئة، لما جاء يسوعُ إلى العالم، ولما كان هناك الخلاص. في أيّامنا هذه، خسِر الناس محبَّتهم وأصبحوا عديمي الرحمة. ولكن من خلال الروح القُدس، يُمكننا أن نُنجزَ الأشياءَ المستحيلة. لأن "النورَ" الذي جاء إلى العالم موجودٌ وحيّ فينا.

إذا سمحنا له أن يفعل من أجلنا ما لا نستطيع تحقيقَه، فسيفعلُه هو من أجلنا، وسيمنحُنا قوّته. إذا كان ذلك النور لا يتحرّك في داخلنا، فلن يكون مؤثّرًا في حياتنا الدنيوية. ومن خلال هذا النور المتحرّك في حياتنا الداخلية، عندئذٍ ستكون في حياتنا مسرَّة وقوّة.

لذاك النور عطاياه. فإن سِرْنا بموجب الروح القُدس الذي بحسب النور، عندها ستكون هناك أشياءُ جديدة وقدرة جديدة في حياتنا. وإن وضعْنا أفكارَنا تحت فِكره، عندئذٍ ستختفي الأنانية التي تُخضِعُنا. علينا أن نُدرك أنانيّتنا. إذا فعلنا أيَّ شيء خارجَ إطار المحبّة، فإنّه سيجعلُنا نتخلّى عن الروح القدس وعن النور. ينبغي ألا ننسى أنّنا أعضاءٌ في المسيح يسوع. إذا خرجنا عن إرادة تلك الروح وذلك النور، حينئذٍ لن نكون بمثابة الرُّكن في جسد المسيح؛ بل سنكون دومًا مرْضى روحيين في ذلك الجسد.

بالرغم من كلّ شيء، يتوجّب علينا أن نتبعَ أفكار تلك الروحَ وذلك النور، عندئذٍ يُمكننا أن نكون ناجعين، وصانعي سلام، نزيهين وداعمين للآخرين. عيد الميلاد المجيد الذي نحتفل به، سيكون داعمًا باستمرار للحياة التي تغيّرت بنور يسوع المسيح. اليوم ونحن بهذا الإدراك العميق، وبمعونة ربّنا يسوع المسيح، يُمكن أن نحصل على طريقة جديدة للعيش؛ يمكن أن نولد في الحياة الجديدة.

لأنّ علامةَ عيد الميلاد المجيد هي النجمة. هذه النجمة هي النور في الظلمة. كذلك هو عيد الميلاد المجيد، إنّه علامة الحياة التي تبدّلت أيضا. إذا قبِلنا هذه الحقيقةَ، فإنّ حياتَنا يُمكن أن تكون مكانًا ليسوع المسيح. وبهذا فإنّ يسوعَ يُمكن أن يكون حاضرًا في حياتنا الحقيقية.

إذا تركنا يسوع يعيش في صومعة تفكيرنا.

وإذا فقط، كما يغذي الراعي ويحمي القطيع، نوجّه أعينَنا إلى ذلك النجم. فإنّ ذلك النجم هو الإيمان والرجاء والمحبّة والرحمة والخير والسلام والمغفرة.

قَدْ جَاهَدْتُ الْجِهَادَ الْحَسَنَ، أَكْمَلْتُ السَّعْيَ، حَفِظْتُ الإِيمَانَ"  (٢ تيموثاوس ٤: ٧ )

يجب أن نولي ٱهتمامَنا نحو عيد الميلاد المجيد هذا، وأن نحافظ عليه.

ها هي الأجراس تُقرع لهذا الفهم الجديد، ولإعلان الرجاء الجديد.

أودّ أن أُشارككم جميعًا من أعماق الفؤاد، هذا الخبر السارَّ.

"عيد ميلاد مجيد" وسنة جديدة مباركة.

مع كل الاحترام!

ملفونو يوسف بِكتاش

الترجمة من الإنكليزية إلى العربية: د. إشراق نبعة.

تدقيق لغوي: أ. د.حسيب شحادة


 
Please Leave Your Thinking

Leave a Comment

You can also send us an email to karyohliso@gmail.com