إدارة النفس والثقافة الشعبية
من لا يستمع إلى صوت القلب لا يجد طريق السلام والطمأنينة. "حكمة سريانية -تشتت الثقافة الشعبية انتباه الإنسان عبر المتع السطحية والرغبات التي تُستهلك بسرعة، وتؤثر سلبًا على عالمه العاطفي والفكري. في مواجهة هذا التأثير الخارجي الكثيف، إذا لم يُحافظ الإنسان على توازنه الداخلي، يصبح عرضة للتيارات المتقلبة. ومع ذلك، فتنظيم مسار الحياة لا يعني فقط إدارة الخارج، بل أيضاً القدرة على إدارة داخلنا. الحياة التي تتحكم فيها المشاعر والرغبات والاندفاعات العابرة بشكل غير منضبط تتحول إلى وجود سطحي خالٍ من العمق. تربية النفس وتكوين الشخصية هي الأساس لتحويل هذا التيار اللاوعي إلى إرادة واعية. القائد الجيد، المدير الفعال، المعلم المؤهل، الوالد المحب، الابن البار أو الصديق المخلص... كل هذه الهويات تبنى على أساس شخصية فاضلة وقلب صادق. الألقاب زائلة؛ ما يبقى هو بوصلة الإنسان الداخلية وقيمه الذاتية. الإدارة ليست مجرد ممارسة سلطة خارجية، بل هي فن تحقيق التوازن واكتشاف الاتجاه الداخلي. الإدارة الحقيقية تبدأ أولاً بتحكم الشخص في ذاته. لكي نكون فاعلين في البيت، والعمل، والمجتمع، والسياسة؛ يجب أن نمتلك وعيًا داخليًا وانضباطًا روحيًا. القلب هو مركز الإنسان المخفي. كل القرارات والعلاقات والتحولات تنشأ فيه. من كانت قلوبهم مضطربة، فطريقهم يكون كذلك. لذا، فإن هدوء القلب وصفاء الفكر لهما نفس الأهمية لكل شخص. يقول الروحاني السرياني: "مكان نظر الله هو القلب؛ فلا تلوثه بالحقد أو الغيرة أو الغطرسة. "فالذي يعظم نفسه يبني جدارًا أمام الحقيقة، ويرى الظل نورًا، ويعتقد أن صدى الصوت في الغرفة هو الصوت الحقيقي. الحقد يصير القلب صلبًا. الغيرة تأكل الروح. الغطرسة تجعل الإنسان وحيدًا. الكبرياء يفسد الحقيقة. التظاهر بالمعرفة يُخمد المحبة. لهذا، من لا يعرف نفسه يؤذي من يعرف، ومن لا يفهم المحبة يظل غريبًا عن الحكمة. هناك حاجة إلى القلوب الطاهرة في كل من عالم الأعمال والعائلة. القلب الطاهر يجلب رؤية واضحة، والرؤية الواضحة تمهد الطريق لعلاقات صحية. أعظم قوة لدى الإنسان، المدير، الزوج أو الابن ليست مكانته ولا ماله، بل قدرته على التعاطف. القلب الذي يستمع ويفهم ويدعم ويمنح الثقة هو الحصن الأقوى ضد الانحرافات. مهارة ضبط النفس وروح السيطرة على الذات تجعل الإنسان قويًا في مواجهة الجاذبية المدمرة للعوامل الخارجية. وإلا، ستبقى الثقة والنجاح والسلام بلا جذور، فالقيم بلا جذور محكوم عليها بالتشتت عند أول عاصفة. المدرب الحقيقي هو الذي يدرك الاضطرابات ويكون بوصلة لمن فقد الاتجاه.
المدير الحقيقي لا ينجز فقط، بل يبني الشخصية كنموذج يُحتذى به.
الزوج الجيد، الوالد المتفهم، الابن البار؛ كلهم يحملون حكمة تعكس السلام الداخلي للخارج. القلب الذي لا توجهه الرغبات العابرة والشهوات يتم تطهيره بسهولة أكبر. وبفضل هذا التطهير، يستطيع الإنسان تشكيل طريقه وقراراته وعلاقاته بعمق وأصالة. القيادة الحقيقية، الإدارة الحكيمة، الزواج السعيد، الوالدية المحبة، والبر بالولد؛ كلها تعبير عن إشعاع داخلي ينعكس على العالم الخارجي. مصدر هذا الضوء هو تربية النفس وتكوين الشخصية. لا يمكن لقلب لا يحظى بهذا التدريب الروحي أن يرشد الآخرين. فقط من يدير نفسه جيدًا، يمكن أن يكون مديرًا جيدًا ويوفر مساهمات إيجابية للعالم الخارجي.
ملفونو يوسف بختاش
رئيس جمعية الثقافة واللغة السريانية وادبها / ماردين
You can also send us an email to karyohliso@gmail.com
Leave a Comment