الاعتناء بالحديقة
إذا عملنا في الحديقة، تكون ثمارها جميلة. وفي يوم من الأيام، يعطرعبير تلك الحديقة الحدائق الأخرى. الانطلاق من العالم الطبيعي لتغذية وإثراء العالم الروحي هو منهج تعليمي وأساسي في الثقافة السريانية. ولذلك، يوجد في الثقافة السريانية، التي تدعو كل إنسان وكل منصب وكل مؤسسة وكل عمل وكل مجموعة مهنية لتحمل مسؤولياتها وتجنب الكسل، مثلٌ أحبه كثيراً يقول: "ܥܽܘܼܕ ܟܰܪܡܳܟ ܘܢܶܛܐܰܒ ܦܺܐܪܳܟ" بمعنى اعمل في حديقتك لكي تكون ثمرتها جميلة. لكل واحد منا حديقة: عالم داخلي غير مرئي. بعضها صخري، وبعضها أشواك، وبعضها خصب، وبعضها مهمل. في قلب بعضنا تنمو أعشاب ضارة لأسباب مختلفة؛ وعقل بعضنا كأرض متشققة جافة. كل حديقة هي أمانة بيد صاحبها. تسلم كأمانة. تذكرنا الثقافة السريانية عبر آلاف السنين بأهمية الحفاظ على هذه الأمانة: "ܥܽܘܼܕ ܟܰܪܡܳܟ ܘܢܶܛܐܰܒ ܦܺܐܪܳܟ" اعمل في حديقتك لكي تكون ثمرتها جميلة. هذا القول لا يعلم فقط الاعتناء بالأرض، بل يعلم أيضا الاعتناء بالروح وراء الأرض، وتغذية عالم المعنى. لأن الإنسان يُختبر يوماً ما على كل شيء يهمله. الحديقة المهملة تغرق في الأعشاب الضارة. العقل غير المزروع، القلب غير الموجه، الروح غير المنقية تنمو فيها الأعشاب السامة في زوايا مظلمة. الاعتناء بالنفس هو العمل في الحديقة يعني الاعتناء بالنفس وتطويرها. حرث الحديقة يعني الرجوع إلى النفس، رؤية الأحجار، تنظيف الأشواك. ليس سهلاً، لأن كل مجرفة تخرج أحياناً حجارة قديمة من تحت الأرض: مخاوف مهجورة، غضب مخبأ، أحقاد منسية... الأرض تؤلم لكنها تشفي أيضاً. تقليم الجذور يحتاج إلى شجاعة؛ لكن الثمرة الحقيقية المخفية هناك. ماء الحديقة لا تعطي الحديقة ثماراً بدون ماء. الحديقة الداخلية تسقى بالحب، والحنان، والفضيلة، والدعوات الخيرة، والأعمال الصالحة. الأعمال الفاضلة هي ماء الأرض وتنفسها. كلما طهرت الأفكار تعمقت الجذور، وتقوى الجذع، ونضجت الثمرة. الثمار الجميلة الظاهرة على الأغصان دليل على الجهد المبذول في ظلمة الأرض. الثمرة الجميلة شفاء العمل في الحديقة أو زراعتها يعني حماية عالمنا الداخلي من رياح الخارج. لكي لا نؤذي الآخرين بأشواكنا، يجب أولاً أن نواجه أنفسنا. لأن الإنسان لا يعرف نوره دون أن يعرف ظلامه. من لا يعرف نوره لا يستطيع أن يكون نوراً للآخرين. الكلمة الناضجة تطمئن، والسلوك الذي لا يؤذي يحمل الأمل. الثمرة الجميلة ليست لنا فقط، بل شفاء للآخرين أيضاً. لذلك، العمل على حديقتنا وزراعتها مسؤولية وفي نفس الوقت هبة لنا ولكل من يتقاطع طريقه معنا. كل من ينمّي الثمرة في الحديقة فهي لا تعطي ثماراً في يوم واحد. تحتاج إلى صبر؛ تمر الفصول، تتعب الأرض، أحياناً تمطر كثيراً، وأحياناً جفاف. لكن من لا يستسلم، ومن لا يترك أرضه، ويأخذ المعول كل يوم من جديد، يثابر بلا كلل أو ملل، في النهاية يتذوق لذة ثمار حديقته. نعم، يجب أن نعتني جيداً بالحديقة التي اؤتمنا عليها من أجل الجمال والسلام. يجب أن نعتني بتلك الحديقة حتى تصبح حياتنا أجمل. وليكن عبير الحديقة شفاء لكل قلب يلمسه.
ملفونو يوسف بختاش
رئيس جمعية الثقافة واللغة السريانية وادبها / ماردين
You can also send us an email to karyohliso@gmail.com
Leave a Comment