أورناشا مدينة الإنسان - Karyo Hliso
Yusuf Begtas:

أورناشا مدينة الإنسان

Mlfono Yusuf Beğtaş
أورناشا مدينة الإنسان

أورناشا مدينة الإنسان

أورناشاUrnaşa)  ܐܘܪܢܫܐ) معناها في السريانية القديمة "مدينة الإنسان أو دار الإنسان". لكنها لم تُبنى لا بالحجر ولا بالتربة؛ هي وطن الضمير والعدالة الناشئ من أعمق وأجمل طبقات الروح الإنسانية.

ليست موجودة على الخرائط، لأن حدودها لا تعتمد على الجغرافيا، بل على تجليات العدالة الإلهية، والفضيلة، والسمو الإنساني. توجد بالقلب لا بالعقل؛ تولد من أعمق وأصدق أفعال القلب، لا من الأصوات الجافة للغة.

في هذه المدينة، الإنسان ليس مجرد جسم وعظام. هو حامل القداسة للمعنى؛ تجسيد ملموس للمسؤولية والرحمة. كل إنسان يمشي في شوارع Urnaşa  الضيقة يحمل نوراً داخله: وعي يعرف ذاته، يراعي وجود الآخرين، ويحترم الحياة والخالق بعمق.

ساحات Urnaşa  تتحدث بلغة تربية الحب. لا مكان للكلمات الفخمة أو الخطب الفارغة هنا؛ أسمى الأصوات هي صدى الروح الرقيق، الصادق، والمخلص. لأن التواصل الحقيقي يبدأ في أعماق الأرواح، في الروابط المحبوكة بالصدق.

كل كلمة هي بذرة في Urnaşa  ما تزرع البذور في الأرض وتنمو، كذلك الكلمات التي تسقط على الروح تنمو يوماً ما لتصبح فهماً متجذراً وشجرة حكمة عميقة. لا يمكن للبذور التي بلا جذور أو دون معنى أو عمق أن تأكل أو تثمر؛ وبالمثل، الكلمات التي لا تحمل المعنى لا تغذي الروح، ولا تنير القلب، ولا تحيي الوجدان.

العقل البشري يعيش دائماً بالكلمات التي يعرفها. الكلمات التي تعرفها تشكل أفكارك، ذِكرَك، وممارساتك بسحرها. في Urnaşa، الكلمات ليست مجرد ألسنة؛ بل بذور تضبط الأرواح، تهذب النفس، وتدعو إلى الانضباط الداخلي.

وكل إنسان يبني Urnaşa  داخله، في عالم الكلمات الذي يعرفه. يغذي تربيته القلبية، وعالم المعنى والروح، بالانضباط، الحب، المسؤولية، والوعي.

التطور ليس مجرد تعلم كلمات جديدة؛ بل استيعاب معانيها من القلب، وغمرها في كل طبقات الحياة، وجذور روحه العميقة.

العدالة هنا ليست واجباً قانونياً، بل ردة فعل أخلاقية وضميرية. لا يُمنح أحد حقاً؛ حقوق الجميع مقدسة من الولادة. القوة ليست للتفوق وإنما للحماية، الشفاء، والإصلاح. العظمة في Urnaşa  تقاس بالتواضع، لا بالكبرياء. هنا، الحكم ليس للعقاب؛ بل لإصلاح الإنسان ومساعدته على إيجاد طريقه المفقود. من يخطئ لا يُنبذ؛ بل يُحضن بالحكمة، ويتحول بالحب. لأن الجميع يعلم: لا قلب يفسد منذ الولادة، الفساد يأتي من قلة الحب، الأخلاق، والإهمال.

مدارس  Urnaşa تزرع بذور الحكمة لا المعرفة. بريق عيون الأطفال يُكرم بخطوط الاحترام على جبين الشيوخ. كل جيل مرتبط بالسابقة بالامتنان، وباللاحقة بالأمل. هنا، التعليم هو رحلة وجودية، مغامرة تستمر مدى الحياة.

وفي هذه الرحلة يلتقي الحب بالمعرفة بانضباط حديدي. كلما كان الإنسان مملوءاً بالحب، زاد تواضعه. وكلما تواضع، ابتعد عن الشعور بالتفوق، وقبل الآخرين كما هم.

عمق واستيعاب المفاهيم في Urnaşa ذو أهمية حيوية. لأن الأحكام النمطية الاجتماعية الثقافية، والأحكام المسبقة، والكبرياء، والأنانية هي المصادر الجذرية للأمراض الروحية والعدوى الفكرية. لتنقيتها، هناك حاجة إلى صبر، وفهم، ورؤية شاملة. فقط إدراك وتقبل المفاهيم هو مصباح ينير الظلمات تدريجياً في الروح.

في هذه المدينة، لا تُعاش الأخلاق لمراقبة الآخرين، بل لتجاوز الذات. الفضيلة ليست واجباً، بل أسلوب حياة ينبع من القلب. الاستماع للصوت الداخلي، هو سماع همسات الضمير. الضمير هو أصدق صدى لله في الإنسان.

الكنائس (وغيرها من أماكن العبادة) ليست فقط للعبادة هنا؛ بل مركز لقاء الوحدة الداخلية، القلب، والروح. الصمت هنا ليس خوفاً، بل هو اللحظة المقدسة التي يكون فيها الروح أقرب ما يكون لله. الصلوات ليست للمظاهر؛ بل أصدق الهمسات التي تصعد إلى السماء من شوق داخلي صادق.

في Urnaşa لايوجد تمييز جنسي. المرأة هي المصدر الأساسي للحياة، وأم المجتمع والضمير. قيمتها لا تُقاس بما ترتديه؛ بل بوجودها، وحبها، ولمساتها الإنسانية.

لأن الجميع فيUrnaşa  يعلم: أن تكون إنساناً لا يكون بالولادة فقط، بل بالعيش بشكل إنساني. كلما عرف نفسه أكثر، ازداد احترامه للآخر؛ وكلما احترم الآخر، صار في سلام مع الله.

ربما Urnaşa مدينة خيالية، لكنها حقيقية بكل ما يرن صداه في الروح. ترافق خفية كل خطوة نحو الحقيقة، وكل موقف فضيل، وكل موقف مشرف.

وربما يوماً ما... يبني الإنسان Urnaşa  في قلبه، فلا تكون الحدود حجارة وإنما قلوب تربط بعضها بالبعض. وحينها يبدأ السلام الحقيقي.

إحياء هذه المدينة الإنسانية التي تزهر بالتعليم، والحب، والصبر، هو طريق لأولئك الذين هم مستعدون للفهم والتفسير.

وتذكر أن في URNAŞA " العالم لا يدور حول صاخبي الضجة، بل حول من يخلقون قيمًا جديدة."

 

ملفونو يوسف بختاش

رئيس جمعية الثقافة واللغة السريانية وادبها / ماردين

 

 

يوسف بيكتاش

 

 


 
Please Leave Your Thinking

Leave a Comment

You can also send us an email to karyohliso@gmail.com