المسيح والتحول الداخلي - Karyo Hliso
Yusuf Begtas:

المسيح والتحول الداخلي

Mlfono Yusuf Beğtaş
المسيح والتحول الداخلي

 المسيح والتحول الداخلي

إن لم تتغير النية والفكر والموقف، فإن السلبية والإنتاجيات المدمرة لن تتغير. وهذا التحول يتطلب تخميرا فكريا جديدا. إذا كانت أفكارنا عجينة، فيجب أن يكون المسيح خميرة هذه العجينة لكي تختمر، (وَمَثَلُ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ مَثَلُ خَمِيرَةٍ أَخَذَتْهَا امْرَأَةٌ وَخَبَزَتْهَا فِي عَجِينِهَا كُلِّهِ حَتَّى اخْتَلَطَتْ.) (متى 13:33).

لكي نعيش حياة منتجة وصحية ومتصالحة، يجب على الإنسان أن يعتني بصدق بهذه الخميرة في داخله. الطريق إلى ذلك يمر بتنمية الوعي المسيحي. بدون هذا، لا يمكن للقلب أن يجد الشجاعة، ولا يمكن للوحدة أن تتكون في الرجاء والإيمان والمحبة. الثراء الحقيقي والاحترام يوجدان في المسيح؛ كل البحث والشوق يجدان معناها فيه. المواقف السلبية، الأنا والعقد النفسية تهزم فقط بتعاليمه. حب الذات، احترام الذات، قيمة الذات، ثقة الذات، ضبط النفس والانضباط الذاتي تنمو فقط بتربيته المخلصة؛ وبهذا تتقوى كل القيم الإنسانية. "لأن سر الله، أي كل خزائن المعرفة والحكمة، مخفية في يسوع المسيح." (كولوسي 2: 3).

لذلك، يجب على الإنسان أثناء انسيابه في حياة معقدة أن لا ينسى الجهد لاكتشاف السر والخزينة المخفية في أعماق روحه. أولئك الذين يكتشفون هذه الخزينة لا يقتصرون على الحصول على راحة القلب وعمق الحياة فقط، بل مثل البستاني، يهيؤون الأرض لنمو الآخرين ونضوجهم، ويخرجون أفضل ما لديهم ويجعلونهم يثمرون.

لأن المسيح ليس معلما عاش في التاريخ فقط. هو تجسد المحبة الإلهية غير المشروطة؛ النور الذي يرشد الرحلة الداخلية، خريطة معنى الحياة، وبوصلة الطريق إلى الأبدية. هو النداء الإلهي للكلمة السماوية إلى الإنسانية. وهذا النداء لا يأتي من الخارج، بل من الداخل. هادئ ولكنه قوي، بسيط ولكنه محول. المسيح ليس فقط مرشدا، بل هو تعليم أبدي يتردد صداه داخل الروح، وهو ضروري لكل زمان. ليس خريطة طريق، بل الطريق نفسه، الحقيقة ذاتها. ليس المعرفة فقط، بل هو مصدر المعرفة وجوهر الحكمة.

هذا الجوهر هو تجسيد المبادئ الأخلاقية العالمية التي تتردد في قلب الإنسان. دعوة المسيح ترتكز على الصدق والوفاء والمسؤولية والضمير والانضباط الداخلي وضبط النفس. الفضيلة الحقيقية تبنى ليس بالقوانين الظاهرية، بل باليقظة الداخلية. لذلك، المسيح لا يهتم بالرغبات السطحية، بل يركز على الحياة التي تتعمق في الجوهر.

أي شخص يدير ظهره لهذه الحقيقة محكوم عليه بالبقاء في الظلام في الدنيا والأبدية. لأن معرفة المسيح ليست مجرد اعتناق إيمان، بل هي وعي بالبرنامج الإلهي المزروع في جوهر الإنسان وشغله بوعي. المسيح هو برنامج إلهي مبرمج داخل الروح. عندما يبدأ هذا البرنامج بالعمل، لا يعرف الإنسان الصواب فقط، بل يصبح صوابا؛ لا يتعلم الخير فقط، بل يتحول إلى خير. لا يتحدث عن الأخلاق فقط، بل يصبح الأخلاق ذاته.

ومع ذلك، هذا البرنامج لا يعمل بمفرده؛ يحتاج إلى توجه داخلي وجهد مخلص. مثل البذرة تحت الأرض، هذا الجوهر داخلنا ينتظر الأرض المناسبة، الضوء والماء. ذلك الضوء هو الوعي؛ الماء هو المحبة والتواضع؛ الأرض هي الصدق الداخلي.

نداء المسيح ليس فقط للحياة الأبدية. إنه يدعو لفهم هذا العالم بسلام وإلهام إلهي. إذا لم يجد هذا النداء صدى في الإنسان، فلن يجد صدى في الآخر. صدى الآخرة موجود في خطوات الحياة هنا والآن. الخلاص الحقيقي ليس مكافأة مؤجلة، بل تحول داخلي حاضر.

الشخص الذي يستجيب لهذا النداء يشعر بحتمية عطش. هذا العطش يكشف النقص ويوجه إلى البحث. والبحث ليس مجرد طلب للمعلومات أو النجاح، بل هو رجوع إلى المصدر والاكتمال والتطور. لأن كل إنسان هو انعكاس صغير للعالم في داخله. وهذا العالم في غالب الأحيان يحكمه النفس.

قول المسيح "أُقُلُ لَكُمْ هذَا لِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ فِيَّ سَلاَمٌ. فِي الْعَالَمِ تَكُونُ لَكُمْ ضِيقَاتٌ، وَلَكِنْ تَشَجَّعُوا: لأَنِّي قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ." (يوحنا 16:33) ليس إعلان نصر فقط، بل هو ملخص للنصر الداخلي على شهوات النفس. كل إنسان هو عالم؛ و"العالم" هنا يرمز للنفس. وبدون النفس لا يمكن للنفس الروحية أن تتطور، لكن النفس غير المطهرة لا تفسح المجال للروح. ترتقي الروح بضبط النفس؛ ينفتح الوعي، يتسع القلب، وينضج الإنسان.

في هذا المسار، أفضل رفيق لنا هو نقصنا. هذه النواقص تأخذنا إلى التناقضات، التساؤلات والمواجهات. ولذلك نمضي، نسقط، نقوم، نعبد، نفكر، ونستمر مجددا. لكن في الواقع، كل شيء يهدف إلى إرواء ذلك العطش، ملء ذلك النقص، العودة إلى المصدر والتقاء الإلهي.

حكمة المسيح لا تستهدف الخلاص الفردي فقط، بل تستهدف القيامة الاجتماعية أيضا. فهمه للإدارة لا يقوم على المصالح الشخصية، بل على العدالة، وتقديم قيادة رحيمة بدلا من الدكتاتورية. جوهر هذا النظام هو روح الإدارة الفاضلة. هذه الروح هي النور الذي تحمله الضمائر التي لا تنحني أمام القوة، والوعي الذي يظهر التواضع أمام الغرور، والقلوب التي تطور انضباطا ذاتيا ضد رغبات الأنا.

لذلك يرفض المسيح الممارسات العشوائية الناشئة عن المزاجيات، والميول السطحية والاختيارات العشوائية. طريقه لا يقوم على المزاجيات، بل على الحقيقة في الجوهر. هذه الحقيقة تطلب "نور للحقيقة على ظلمة الروح، توازنا لحيرة القلب، ومعنى لحوادث الحياة". المسيح يرفض كل المواقف التعسفية التي تتشكل من الكبرياء والإصرار. لأنه مرشد لطريق التطهر الداخلي الذي يمتد من ظلمة الروح إلى النظام الاجتماعي.

الحكمة السريانية تقول: "من كان عينيه معميتين في الدنيا، سيبقى في الظلام للأبد". هذه العبارة تشير إلى العمى الروحي وليس الجسدي. كي  ينير نور المسيح فينا، يجب أن يفتح عين القلب. لكن المسيح جاء لينير كل روح. مجيئه هو نمو من الداخل إلى الخارج.

الشخص الذي يتحرك بهذا النمو الروحي يصبح أكثر حذرا ومسؤولية ووعيا في الحياة الاجتماعية. التفكير بالحب، المشي برحمة، والمحبة بفهم تصبح أسلوب حياة له. لأن المسيح لا يدعو فقط الإيمان أو العبادة فقط، بل إلى أسلوب حياة.

هذه الحياة تضم إلى جانب العبادة الوعي، الضمير، الوفاء والخدمة. الحياة هي المشاركة، التذكر، زيارة القلوب، وزيادة ثروات القلب. المحبة تزداد وتنمو وتشفي بالمشاركة. المسيح يولد من جديد بداخلنا، يحولنا ويصبح نورا في العالم. عندها تحل الظلمة محل النور.

ونفهم عندها أن الخلاص ليس مستقبلا روحانيا فقط، بل هو حالة وعي للحاضر. ملكوت الله ليس مكانا يُبحث عنه في الخارج، بل حقيقة تُبنى في الداخل. كما يقول المثل السرياني: "من عرف نفسه عرف الرب، ومن عرف الرب أصبح ابن النور".

ليس لأبناء النور ظلمة في هذا العالم أو في العالم الآخر. لأن المسيح ليس فقط معطيا للحياة، بل هو محب يولد من جديد. جاء ليعيد حياة النور بداخلنا. وعندما ينبعث هذا النور، تعود للحياة معناها؛ ويبارك الإنسان الحاضر والمستقبل.

المسيح الذي يحولنا ينير الذات والحياة معا.

 

ملفونو يوسف بختاش

رئيس جمعية الثقافة واللغة السريانية وادبها / ماردين

 

 

 

 

 


 
Please Leave Your Thinking

Leave a Comment

You can also send us an email to karyohliso@gmail.com