العيش في إرشاد الروح - Karyo Hliso
Yusuf Begtas:

العيش في إرشاد الروح

Mlfono Yusuf Beğtaş
العيش في إرشاد الروح

العيش في إرشاد الروح

ليس الإنسان كائنًا مؤلفًا من اللحم والعظم فحسب، بل هو جسد يلبس روحًا تستطيع أن تستشعر الغيب، وتشعر به، وتفهمه؛ روح لا تحتمل قوالب الزمن الضيقة. فهم هذه الحقيقة يُعد شرطًا أساسيًا لقراءة أنفسنا والكون قراءة صحيحة. لأن الحياة ليست مجرد عملية لتلبية الحاجات المادية، بل هي رحلة لتحقيق قيم الروح وتجسيدها في الوجود. قبول حقيقة أن الكون وحياة الإنسان ليست بلا هدف روحي يقربنا من الوعي الفردي ومن الخير الجماعي. فلا جهد يتحلى بالصدق في هذا الطريق يذهب هباءً، ولا عمل يزيد نور الروح ينطفئ سُدى، إذ إن كل مسعى من القلب يلقى صدى في توازن خفي، ويشق طريقه بلا ضياع تحت ظلال رحمة لا متناهية. الغاية والمسؤولية في الحياة جانب غير مرئي ولكنه محسوس: جانب يشكل الإنسان روحيًا، لا جسديًا فقط.هذا الجانب يُعيد في صوتنا الداخلي سؤال المعنى في كل خطوة: «لماذا أنا هنا؟ ولماذا أخدم؟»

وهذا السؤال لا يدعنا نتساءل فقط عن وجودنا الفردي، بل يدعونا لإعادة نظر في علاقتنا بكل الكائنات التي تعيش في نظام كوني متناغم.الهدف الروحي يوجب على الإنسان أن يعيش ليس فقط من أجل خيره، بل مع مراعاة خير الآخرين أيضًا. فالروح لا تريد الخير لنفسها فحسب، بل تسعى لتقديم النفع للآخرين أيضًا. ومن ثم، لكل إنسان مسؤولية اكتشاف طاقته الكامنة وعكسها على العالم. هذه ليست مسألة إيمان وحسب، بل حالة وعي. تمس الحياة بحكمة هادئة، دون إصدار أحكام أو تقسيم أو ادعاء تفوق.أما المسؤولية الكونية فهي البُعد الاجتماعي لهذا الهدف الروحي. فالإنسان أثناء سعيه لراحة نفسه، عليه أن يشارك في بناء الحياة المشتركة. فالروح لا تهدي النور إلى الداخل فقط، بل تفيض به إلى الخارج. كل خير يُصنع، وكل نية صادقة، وكل مسعى حقيقي يترك أثرًا في البنية الروحية للكون، رغم أنه غير مرئي، لا ينقص، لا يمحى ولا ينتظر التصفيق. يجب ألا ننسى أن لا خير ولا جهد في سبيل عيش قيم الروح يذهب هباءً، وأن كل لحظة تحمل معنى، وكل مجهود يتصل بكامل غير مرئي. وعندما يستجيب الإنسان لهذا النداء، تضيء ليس فقط وجوده بل الخير العالمي أيضا القيم الداخلية العيش في هدْي الروح لا يعني مجرد قبول حدسي، بل هو توجّه واعٍ. يتطلب هذا التوجّه الاستماع لصوت القلب، وسماع نداء الجوهر. فطريق الإنسان إلى الحقيقة غالبًا لا يمر عبر ضوضاء العالم الخارجي، بل عبر صمت العالم الداخلي. وأكثر الموروثات قيمةً في هذا الصمت هي القيم الداخلية.القيم الداخلية هي رأس المال الروحي الذي نولد به ونتقنه مع الزمن. هذه القيم هي أعمدة خفية تبني الهيكل الداخلي للروح. مع الوقت، تغرس جذورها، تتقوّى في الاختبارات، وتتلألأ بالوعي. التواضع يجعل الإنسان يعي حدوده. الصبر حكمة منسوجة بالزمان. الرحمة أسمى أشكال الاحترام لوجود الآخرين. البساطة هي الشجاعة على أن تظل جوهريًا خاليًا من الكماليات. الشفافية وجه الصدق مع الذات والآخرين. العدالة ليست مجرد مراعاة الآخرين، بل هي ميزان الضمير للذات أيضًا. الوفاء زهاء قلب لا ينكر آثار الماضي، يكرم الذكريات. البصيرة ليست مجرد رؤية، بل إدراك للمعنى خلف الظاهر. اللطف فضيلة يعبر فيها الكلام والسلوك دون إيذاء الروح. السخاء معرفة النمو بالعطاء الخالص. الانضباط الذاتي صبر القوة على حماية الجوهر من إغراء اللحظات العابرة. الحياء هو اسم العفة والخجل أمام الضمير. الإخلاص هو حرارة الأصالة المنبعثة خارجيًا، وجود نقي خالٍ من التصنع. اللين قوة داخلية تنبعث بهدوء لا غضب. الاستقامة ثبات على الحقيقة الداخلية وسط دوامة التردد. الحدس قدرة على رؤية غير معقولة بعين القلب. الأمل إيمان يستدعي النور في أوقات الظلام. هذه القيم ليست مجرد فضائل فردية، بل تغذي روابطنا الاجتماعية أيضًا. لأن الإنسان الذي يعيش بسلام داخلي، يميل إلى التفاهم لا النزاع في العالم الخارجي. نور الروح يلمع أولًا في الداخل، ثم ينعكس إلى الخارج. لذلك، العيش بهذه القيم هو أيضًا شكل من أشكال الولاء الروحي. كل تصرف له جذور داخلية يؤتي ثماره خارجيًا.كل إنسان يمكنه أن يتحول بنفسه وبالمجتمع الذي يعيش فيه أفضل بالحفاظ على هذه القيم. وهذه هي ثمرة الحياة الروحية الملموسة: زيادة الخير في الذات والبيئة. وهذه الزيادة تحدث بهدوء، بلا ضجيج، لكنها تترك أثرًا دائمًا.لكي نمتلك هذه الزيادة، يجب أن نعرف أنفسنا، ننمي النور داخلنا، ونعكس هذا النور إلى المحيط.

 

ملفونو يوسف بختاش

رئيس جمعية الثقافة واللغة السريانية وادبها / ماردين


 
Please Leave Your Thinking

Leave a Comment

You can also send us an email to karyohliso@gmail.com