الحب: شعور ينمو بالمعنى - Karyo Hliso
Yusuf Begtas:

الحب: شعور ينمو بالمعنى

Mlfono Yusuf Beğtaş
الحب: شعور ينمو بالمعنى

الحب: شعور ينمو بالمعنى

الحب... حالة وجودٍ عميقة في الروح الإنسانية، تتآكل أحيانًا مع الزمن، وتحبس غالبًا في الكلمات، لكنه في جوهره أعمق احتياجات الإنسان. ليس الحب مجرد شعور، بل هو جوهر أصدق علاقة يبنيها الإنسان مع نفسه والآخرين. إنه يتغذى على المواجهة، ويتعمق بالقبول، ولا يتحول إلى حقيقة إلا بالصّدق. الحب يطلب علاقة بلا أقنعة. من لا يجرؤ على معرفة نفسه ولا يواجه ظلمة داخله، لا يستطيع رؤية نور الآخر. لأن الحب يبدأ بالسير إلى الداخل، بمواجهة هشاشتنا ومخاوفنا وأخطائنا بصدق، ومن دون ذلك لا يمكننا الوصول إلى فهم حقيقي ولا ننسج روابط صادقة. المواجهة هي اللحظة التي يبدأ فيها الإنسان باحترام نفسه. وبالحقيقة، يجب أن يبدأ الحب من داخلنا، أن يمتد جذوره في كياننا قبل أن يتجه نحو الآخر. حب الذات هو أن نقدر وجودنا، وأن نثبت في ذاتنا برحمة بلا حكم. هذا المصدر الداخلي هو أساس الحب الحقيقي الذي ينبثق للخارج. ما لم نكن في سلام مع حبنا داخلنا، يكون تدفق الحب الخارجي نسبيًا هشًا. ثم يأتي القبول. أن نرى الآخر كما هو، دون إصدار أحكام أو محاولة تغيير، أن نتعلم قبول التناقضات وعدم الكمال داخل أنفسنا حتى نصبر على نقص الآخر. فالحب يظهر هنا: في إقامة علاقة مع النقص، وفي حب ما هو ناقص من دون حكم. القبول هو أول خطوة من وعي الرحمة. وبدون الوعي، يبقى الحب مجرد نية. لا توجد علاقة حقيقية بدون الصدق. حين نكون مختلفين داخليًا وخارجيًا، يصبح الحب مجرد عرض. أما العلاقات الحقيقية فتقام على أساس الوضوح والصدق والثقة. حين نُظهر أنفسنا كما نحن ونسمح للآخر بأن يكون كذلك، عندها يحدث اتصال حقيقي. الحب هو ثمرة هذا الاتصال، وهو بساطة تكشف عن ذاتها. الكلمات القديمة للقديس بولس تعبر عن هذه الحقيقة بعمق: "لو تكلمت بألسنة الناس والملائكة، لكن لم يكن لي محبة، لأصبحت نحاسًا يطن أو صنجًا يطن. ولو كانت لي النبوة، وعرفت كل الأسرار وكل العلم، ولو كان لي كل الإيمان حتى أنقل الجبال، ولكن لم تكن لي المحبة، فلست شيء." (رسالة كورنثوس الأولى ١٣:١-٢)

 تذكرنا هذه الكلمات أن النجاحات الخارجية والكلمات السامية والطقوس اليومية، بلا محبة، تصبح بلا معنى. فالحب لا يحمل شكلًا بلا جوهر. الطقس بلا روح يصبح تصرفًا بلا معنى. ويصف القديس بولس الحب قائلاً: "المحبة تصبر، وترحم، ولا تحسد، ولا تتفاخر، ولا تنتفخ. لا تسيء التصرف، ولا تطلب ما لها، ولا تحتد، ولا تظن السوء. لا تفرح بالإثم، بل تفرح بالحق. تحتمل كل شيء، وتؤمن بكل شيء، وترجو كل شيء، وتصبر على كل شيء." (1 كورنثوس 13:4-7)

هذه التعريفات تظهر أن الحب بطبيعته يجمع بين العدالة والرحمة. هو وجود قوي غير مؤذي. رابطة صادقة غير قمعية. الحب روح تجمع بين اللين والصمود. قد يوجد في نظرة، صمت، أو استماع. يكفي أن تحمل هذه الأفعال صدقًا وقبولًا. الحب الحقيقي هو انضباط داخلي، مسؤولية أخلاقية، وانفتاح روحي. دون صدق مع أنفسنا، لا نفتح مكانًا صادقًا للآخر. لكن مع المواجهة والقبول والصدق، يصل امتدادنا للآخر إلى أصدق صورة. حينها يصبح حبنا حالة، وجودنا ذاته. لأننا لم نأتِ إلى الدنيا لنُفهم فقط، بل لنفهم، نتصل، ونتحول معًا. وهذه الروابط لا تقام إلا بالحب. الغرض الأساسي من مجيء الإنسان إلى العالم هو التعلم والفهم. الفهم سواء للذات أو للآخرين...لأنه بدون فهم لا يمكننا معرفة، وبدون معرفة لا يمكننا حب، وبدون حب لا يوجد رابط حقيقي ودائم. الحب الحقيقي ممكن بالوعي، بعقل يرغب في معرفة الذات، وقلب طاهر من الأحكام. وبهذا فقط يمكن أن نبني روابط عميقة وصادقة ومحولة مع النفس والآخرين.

 

ملفونو يوسف بختاش

رئيس جمعية الثقافة واللغة السريانية وادبها / ماردين

 

 


 
Please Leave Your Thinking

Leave a Comment

You can also send us an email to karyohliso@gmail.com